
يشهد التوصيل للمرحلة الأخيرة في العراق تطورًا سريعًا بالتوازي مع التجارة الإلكترونية، لكنه يواجه تحديات مثل الاعتماد على الدفع النقدي، وغياب الهيكل الرسمي، ومشاكل العناوين، وتسعير غير مربح.
التوصيل للمرحلة الأخيرة في العراق: التنقل بين التحديات اللوجستية والمالية
التوصيل للمرحلة الأخيرة هو الخطوة الأخيرة في إيصال المنتجات إلى وجهات المستهلكين النهائيين، وعادةً ما تكون منازلهم. وبينما تم تقديم هذا المصطلح مؤخرًا في السوق العراقي بشكل رسمي، فإن الخدمة بحد ذاتها ليست جديدة على العراق. فقد كان توصيل الصحف، ومنتجات الألبان، وحتى الكباب العراقي الشهير ممارسة معروفة منذ الخمسينيات. بالإضافة إلى ذلك، كان العديد من المشاريع الصغيرة تُدار من قبل رجال ونساء يجوبون الشوارع وينادون على توفر منتجات، فيخرج الناس من منازلهم لشرائها.
سنوات من الاقتصاد المتعثر تحت الحصار أدت إلى تأخير الانتقال إلى خدمة توصيل منظمة ورقمية في العراق قبل عام 2003. بعد ذلك، بدأ السوق العراقي يشهد دخول العديد من المنتجات الجديدة في قطاعات مختلفة، من الملابس إلى الحواسيب والهواتف، مما أنعش السوق. وقد خلق ذلك، إلى جانب القوة الشرائية العالية، حاجة إلى خدمات لوجستية أفضل وتوصيل أكثر سلاسة بين المدن العراقية.
في البداية، كانت خدمة التوصيل للمرحلة الأخيرة حكرًا على بعض شركات النقل الموجودة في شارع الصناعة والنهضة وبعض المناطق الأخرى في المحافظات. وكان دورها يتمثل في نقل البضائع بين بغداد والمحافظات، وغالبًا ما كان التجار يشترون البضائع من بغداد بالجملة ثم يستخدمون هذه الخدمات لنقلها.
أما البضائع الصغيرة فكانت تُنقل بين المدن العراقية من خلال شركات نقل الركاب، حيث كان يتم نقل البضائع الخفيفة ضمن اتفاق شخصي بين المرسل والسائق. لكن الطلب على هذه الخدمة كان يحتاج أن يكون على نطاق أوسع من الحالات الفردية كي تتخصص الشركات فيها.
ومع حلول عام 2016 تقريبًا، بدأ المشهد بالتغير مع زيادة انتشار الإنترنت وظهور التجارة الإلكترونية، خصوصًا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وبدأت شركات النقل تُعيد تشكيل أعمالها لتناسب هذا الاتجاه المتزايد، لأن الطرق التقليدية لنقل البضائع كانت مكلفة جدًا، خاصةً إذا لم تكن بضاعة بالجملة. فقد كان إرسال غرض مع سائق يكلف حوالي 25,000 دينار عراقي.
كما أن شركات الشحن الدولية مثل (FedEx، DHL، UPS وغيرها) كانت تركز على الشحن الدولي دون المحلي. ومن هنا بدأ السوق العراقي يتغير، واستقر على تسعيرة موحدة: 5,000 دينار للشحنة داخل المحافظة، و10,000 دينار بين المحافظات. وهذه الأسعار أصبحت غير قابلة للتفاوض، حتى مع توفر خدمات أفضل، لأن الزبون لا يتعامل مع شركات تتقاضى أكثر من السعر الموحد. لذلك، بدأت بعض الشركات بتخفيض أسعارها إلى 4,000–3,000 دينار محليًا و7,000 دينار بين المحافظات.
تحدي جمع النقود
خدمة التوصيل في العراق ليست مجرد صناعة توصيل، بل هي في الأساس صناعة ضخمة لجمع النقود. فالدفع عند الاستلام هو الطريقة الأكثر شيوعًا للدفع في العراق. في الواقع، حوالي 75٪ من الزبائن يشترون من صفحات التواصل الاجتماعي التي لا تقدم سوى الدفع عند الاستلام.
وحتى تطبيقات ومواقع التجارة الإلكترونية تعتمد بشكل شبه كامل على الدفع عند الاستلام، مع وجود نسبة قليلة فقط تستخدم وسائل الدفع الإلكتروني. هذا الاعتماد الكبير على الدفع النقدي يجعل من شركات التوصيل جهات جمع أموال، مما يخلق تحديات كبيرة في هذا المجال.
تجزؤ السوق وعدم الرسمية
يوجد حاليًا آلاف الشركات في العراق تنقل البضائع، سواء داخل المحافظة أو بين المحافظات. العديد من هذه الشركات غير مسجلة، وتتكون غالبًا من مكتب صغير مع أسطول من المندوبين، أو سائقي التاكسي، أو دراجات نارية.
في المقابل، تعمل الشركات الكبيرة والمرخصة كلاعبين رئيسيين في السوق. وبعض هذه الشركات تستخدم التكنولوجيا، سواء في العمليات الداخلية أو في التواصل مع العملاء عبر تطبيقات، لكن هذا ليس النمط السائد حتى الآن.
التجارة الإلكترونية والمعايير
العديد من الشركات الصغيرة في قطاع التوصيل نشأت نتيجة حاجة السوق بسبب صعود التجارة الإلكترونية. وفي بعض الحالات، كانت شركات التجارة الإلكترونية نفسها هي من أنشأ خدمات التوصيل الخاصة بها أو وقّعت عقود شراكة مع شركات توصيل أكثر احترافية، لأن العديد من شركات التوصيل الصغيرة لا تلتزم بالمعايير التي تتطلبها التجارة الإلكترونية.
من أكثر المشاكل شيوعًا في هذا السياق هي "الطلبات المرتجعة"، أي الشحنات التي لم يستلمها الزبون لأسباب متعددة، مما يسبب خسائر تتراوح بين 5٪ و20٪ حسب جودة المنتج وطبيعة الشركة.
مشكلة التعامل مع المنتجات والتلف
هناك أيضًا مشكلة تلف المنتجات أثناء التوصيل، نتيجة سوء التخزين أو عدم إدراك السائق لطبيعة المنتج. هذا يخلق نزاعًا بين شركة التوصيل وشركة التجارة الإلكترونية.
بعض شركات التوصيل تتحمل المسؤولية المالية عن التلف، بينما لا يفعل البعض الآخر، مما يؤدي إلى فقدان العملاء.
مشكلة العناوين
من التحديات المهمة والتي غالبًا ما تُهمل هي مشكلة العناوين، حيث لا يوجد نظام عنونة رسمي في العراق. يعتمد الناس على الوصف الجغرافي، مما يؤدي إلى ارتباك وتأخير في التوصيل أو فشل العملية بالكامل.
الدفع والتسوية المالية
هناك أيضًا مشكلة في تسوية المدفوعات بين شركات التجارة الإلكترونية وشركات التوصيل. كانت معظم الشركات تعتمد على الفواتير الورقية، وإذا فُقدت الفاتورة تنكر الشركة تنفيذ الطلب. هذا الوضع بدأ يتحسن مع التحول نحو النماذج الرقمية.
ولكن هناك جانب آخر وهو تأخر استلام الأموال من شركات التوصيل، وهو أمر شائع.
الأسعار غير المربحة وعدم الاستقرار المالي
بعض الشركات تقوم بتخفيض أسعار التوصيل لجذب العملاء رغم أنها غير مربحة. وغالبًا ما تكون هذه الشركات تفتقر إلى المحاسبة الجيدة ولا تدرك حجم المشكلة.
الأموال التي تدخل تُستخدم لتغطية التشغيل دون تحقيق ربح، ومع زيادة العملاء ترتفع التكاليف أيضًا.
ونتيجة لذلك، أعلنت بعض الشركات إفلاسها وغرقت في ديون تجاه العملاء، ولم تتمكن من السداد أو التزمت بسداد طويل الأجل فقط.
الطريق إلى الأمام
رغم التحديات، فإن قطاع التوصيل للمرحلة الأخيرة يحمل إمكانيات هائلة. والتجارة الإلكترونية هي المستفيد الأول منه، وهما في تطور مترابط.
زيادة استخدام الدفع الإلكتروني من قبل الشركات والمستهلكين سيحل العديد من المشكلات، مثل الطلبات المرتجعة، الاحتيال، وتأخير الدفع.
كما أن التحول الرقمي، وتطور التكنولوجيا، وتحسين البنية التحتية، وتطبيق الممارسات المحاسبية السليمة ستقود هذا القطاع نحو نمو كبير وسليم.ntent

يُعَدّ العراق سوقًا شابًا وسريع النمو يضمّ نحو 45 مليون نسمة (حتى عام 2024)، ويتميز بكونه من أعلى المناطق في معدل نمو السكان، مع أكثر من 1.25 مليون مولود.

شبكة المستثمرين أنجل في العراق تساعد ست شركات ناشئة محلية على جمع أكثر من مليون دولار من التمويل، في خطوة كبيرة نحو دعم بيئة ريادة الأعمال المتنامية في البلاد

هاي-إكسبريس تجمع جولة تمويل أولي من ستة أرقام بقيادة شبكة المستثمرين أنجل العراقية (IAIN)، وبدعم من مستثمرين محليين لتوسيع خدمات التوصيل في جميع أنحاء العراق